يهدد ربع البشرية.. ما أضرار الجفاف على الاقتصاد والغذاء في العالم؟
أفادت دراسات جديدة بأن ربع البشرية يعانون الإجهاد المائي الذي تشهده بلدانهم. في المقابل، بدأت آثار هذا الإجهاد تظهر جليّةً على الاقتصاد العالمي، كما تهديداتها للأمن الغذائي في عدد من مناطق العالم.
في دراسة جديدة أجراها “معهد الموارد العالمية”، حول الإجهاد المائي في العالم، خلصت إلى أن ربع البشرية يعانون شح المياه في بلدانهم. كما أن نصف البشرية يعيشون الجفاف على الأقل شهراً واحداً في السنة.
وأشارت الخريطة التي نشرها المعهد إلى أن 25 بلداً حول العالم تستهلك كل عام ما يعادل 80% من مواردها المائية. ويتوزّع أغلب هذه الدول في مناطق القرن الإفريقي وجنوب إفريقيا، والمغرب الكبير، والشرق الأوسط، والجنوب الشرقي لأوروبا وأمريكا الوسطى وساحل المحيط الهادئ.
وقالت الدراسة إن “الدول الخمس الأكثر تعرضاً للإجهاد المائي هي: البحرين وقبرص والكويت ولبنان وعمان وقطر”.
ويُعرف الإجهاد المائي بأنه مؤشر قياس مقدار إمدادات المياه المتاحة التي يجب أن يستخدمها بلد ما لتلبية الطلب على هذه المادة الحيوية. وتكشف الدراسة عن أن الطلب على المياه في العالم قد تضاعف منذ عام 1960، ومن المتوقع أن يزداد بنسبة تتراوح بين 20 و25% بحلول عام 2025.
وتتسبب موجات الحرارة الشديدة الناتجة عن التغيرات المناخية، كالتي يشهدها العالم هذا الصيف، في تبخر المياه السطحية وتجفيف التربة والغطاء النباتي، وهذا يجعل الفترات المطيرة أقصر وأكثر جفافاً مما ستكون عليه في الظروف الباردة.
وبدأت تبعات الأزمة المائية التي يشهدها الكوكب في البروز، مؤثرة بشكل سلبي في الاقتصاد العالمي، متسببةً في إغلاق قناة بناما وعرقلة التجارة الدولية. كما تهدد هذه التبعات الأمن الغذائي لمناطقة واسعة، مخلِّفةً ملايين الجوعى.
نفاد المياه الجوفية في الشرق الأوسط؟
في أغلبها، تعتمد دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، نظراً لطبيعتها الجغرافية والمناخية، على الموارد المائية الجوفية. وحسب اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة (إسكوا)، فإن نصف الدول العربية تعتمد اعتماداً كبيراً على المياه الجوفية مورداً أساسيّاً للمياه العذبة.
وفي جيبوتي وفلسطين وليبيا والمملكة العربية السعودية، تشكل المياه الجوفية أكثر من 80% من مجموع المياه العذبة المستخدَمة، حسبما ذكرت اللجنة.
وتعاني هذه الموارد المائية بدورها من الإجهاد، ويهددها خطر الاستنزاف، نتيجة ارتفاع الطلب عليها. وهو ما تؤكده دراسة “معهد الموارد العالمية”، قائلةً إن “أكثر المناطق التي تعاني من الإجهاد المائي هي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، حيث “يتعرض 83% من السكان لإجهاد مائي مرتفع للغاية”.
وتنقسم المياه الجوفية إلى نوعين: المياه الجوفية المتجددة، وهي التي يجري تجديدها عبر التساقطات المطرية والثلجية. والمياه الجوفية الأحفورية، وهي التي تجمعت لآلاف السنين في خزانات طبيعية تحت الأرض. وخلال السنوات الأخيرة، أصبح من الصعب تجديد هذه المياه، نظراً لشح التساقطات الذي تشهده المنطقة.
ويحذر تقرير “إسكوا” من خطر النفاد الداهم الذي تشهده المياه الجوفية في المنطقة العربية. ويرجع ذلك إلى عوامل كثيرة، منها “التلوّث وعدم الكفاءة في استخدام المياه، ومعدّلات النمو السكاني المرتفعة، والتغيُّر المناخي، والظواهر الجوية القصوى”.
الأكثر جفافاً والأكثر فقراً
إذا نظرنا إلى خريطة العالم، فسنجد أن أكثر المناطق تضرراً من الجفاف والأوضاع المناخية القاسية توجد في القارة الإفريقية ووسط آسيا، أي المناطق التي تضم الكثير من البلدان الفقيرة. ويواجه شرق إفريقيا أسوأ موجة جفاف له منذ 40 عاماً، إذ نزح أكثر من 4.2 مليون شخص بسبب الجفاف في الصومال وحده.
وفي أنغولا أيضاً، التي تشهد أسوأ جفاف مسجَّل في تاريخها، يعاني نحو 1.58 مليون شخص مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفقاً لـ”التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي”. وتفاقم الجفاف في جنوب أنغولا بسبب تغيّر المناخ وتحويل الأراضي إلى تربية الماشية، هذه المخاطر تجعل البلاد واحدة من أكثر المناطق عرضة للجفاف في العالم.
ومنذ أوائل عام 2021، يشهد معظم أنحاء أفغانستان جفافاً شديداً، أدى إلى ندرة المحاصيل والماشية، وبالتالي نقص حاد في الغذاء. إذ إن ما يقرب من 20 مليون أفغاني محرومون من الطعام حالياً. تعتمد إمدادات المياه السنوية في أفغانستان إلى حد كبير على هطول الأمطار والثلوج في الجبال، وهو ما قل بشدة خلال السنوات الأخيرة بفعل الاحترار العالمي.
وتشهد إيران أيضاً، خلال السنوات الأخيرة، استمرار أزمة ندرة مياه واسعة، تُضاف إلى الأزمات الاقتصادية جراء العقوبات الدولية على البلاد. وفي شهر مارس/آذار الماضي، قال رئيس المركز الوطني لإدارة الجفاف والأزمات التابع لهيئة الأرصاد الجوية الإيرانية، أحد وظيفة، في تصريحات، إن ناقوس الخطر بخصوص أزمة المياه والجفاف في إيران دُقّ منذ فترة طويلة، إذ “أدى الاستخدام المفرط للموارد الجوفية إلى انخفاض تخزين هذه المياه وتحول الكثير من السهول المائية في البلاد إلى سهول ممنوعة الاستخدام”.
الجفاف يعرقل الملاحة الدولية
تعيش منطقة أمريكا الوسطى، هي الأخرى، تحت وقع صيف حار جداً وجاف، مما أثّر في منسوب المياه بقناة بنما، الرابطة ما بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، والتي تعد أحد الممرات البحرية الدولية الرئيسية، إذ تعبر من خلالها 6% من الملاحة التجارية في العالم و40% من الحاويات الأمريكية.
وتزود بحيرتان اصطناعيتان، هما بحيرة ألاخويلا وغاتون، القناة بالمياه اللازمة لتشغيل بوابات التحكّم بمرور المياه والسفن. لكنّ مستوى المياه في هاتين البحيرتين انخفض بشكل كبير، بسبب الجفاف الذي يضرب المنطقة.
واضطر هذا الوضع هيئة إدارة قناة بنما إلى تقييد وصول السفن إلى القناة للمرة الخامسة خلال هذا الموسم الجاف. وقالت الهيئة إنها تواجه “تحديات غير مسبوقة” بسبب الجفاف، مشيرة إلى أن شدة الجفاف في هذا الموسم “غير مسبوقة في تاريخ القناة”.
وقلصت الهيئة عدد السفن التي تعبر القناة إلى 32 سفينة يومياً، وستظل هذه القيود حتى يوم 21 أغسطس/آب الجاري، فيما هناك أكثر من 154 سفينة تنتظر الضوء الأخضر لعبور القناة.
ما أضرار الجفاف على الاقتصاد والغذاء في العالم؟
توضح الأمثلة المذكورة، من الشرق الأوسط إلى شرق إفريقيا ثم أمريكا الوسطى، التأثيرات الكبيرة للأزمة المائية وتهديدها الأمن الغذائي والاقتصاد العالميين. وحسب دراسة “معهد الموارد العالمية”، سيتأثر نحو 31% من الناتج الإجمالي للعالم جراء الإجهاد المائي بحلول 2050، وهو ما يعادل تريليون دولار.
وتضيف الدراسة أن نقص المياه يمكن أن يؤدي إلى الانقطاعات الصناعية وانقطاع الطاقة وخسائر الإنتاج الزراعي. مشيرةً إلى أن نقص المياه لتبريد محطات الطاقة الحرارية في الهند، بين عامي 2017 و2021، أدى إلى فقدان 8.2 تيراواط/ساعة من الطاقة، وهو ما يكفي لتزويد 1.5 مليون أسرة هندية بالكهرباء لمدة خمس سنوات.
كما أن الفشل في تنفيذ سياسات أفضل لإدارة المياه، قد يؤدي إلى خسائر الناتج المحلي الإجمالي في كل من الهند والصين وآسيا الوسطى بنسبة 7% إلى 12%، وبنسبة 6% في معظم أنحاء إفريقيا بحلول عام 2050.
ويمثل الري نسبة 70% من الاستهلاك العالمي للمياه العذبة، ما يعني أن الزراعة أكثر نشاط بشري متضرر بندرة المياه. وحسب الدراسة المذكورة، 60% من الزراعات المسقية في العالم تضررت بفعل الإجهاد المائي، وهو ما يهدد بشدة الأمن الغذائي العالمي.
ويقدر “برنامج الغذاء العالمي” التابع للأمم المتحدة، أن 345.2 مليون شخص حول العالم واجهوا انعدام الأمن الغذائي في عام 2023، حيث كانت التغيرات المناخية سبباً فاعلاً في هذا الواقع. وحسب تقرير البرنامج، فإن “أزمة المناخ تعد أحد الأسباب الرئيسية للارتفاع الحاد في معدلات الجوع في العالم. إذ تدمر الصدمات المناخية الأرواح والمحاصيل وسبل العيش، وتقوض قدرة الناس على إطعام أنفسهم”.
وحذر برنامج الغذاء العالمي من أن “الجوع سوف يخرج عن نطاق السيطرة إذا فشل العالم في اتخاذ إجراءات مناخية فورية”.
المصدر: TRT عربي