حرب جديدة مع إيران: هل يتحمّل الاقتصاد “الإسرائيلي” الكلفة؟

تتعالى داخل كيان الإحتلال الأصوات التي تحذّر من تصاعد وتيرة وحجم التدريبات العسكرية الواسعة التي تنفّذها إيران في الآونة الأخيرة، ولا سيّما المناورات المرتبطة بإطلاق الصواريخ الباليستية. ويذهب بعض المراقبين في إسرائيل إلى التحذير من أن هذه المناورات قد تتحوّل، في أي لحظة، إلى هجوم مفاجئ يستهدف إسرائيل. وفي ظل ارتفاع منسوب التصعيد الكلامي وتكثيف التهديدات الإسرائيلية الموجّهة إلى طهران، حذّر ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي من أن استمرار هذه التصريحات، ولا سيّما الصادرة عن مسؤولين سياسيين وأمنيين، قد يفضي إلى إشعال مواجهة عسكرية جديدة بين الجانبين.
توضح تجربة العامين الأخيرين أنه لا يمكن تجاهل أو التقليل من جدية التصريحات الإسرائيلية المتكررة بشأن ما تصفه بجهود إيرانية مكثفة لترميم قدراتها الصاروخية ومنظومات الدفاع الجوي، ولا من التهديدات الإسرائيلية المتزايدة باحتمال توجيه ضربات عسكرية جديدة ضد إيران. وفي هذا السياق، شرعت إسرائيل في حملة إعلامية واسعة تهدف، في المقام الأول، إلى بناء سردية موجّهة للرأي العام الإسرائيلي، تقوم على فكرة تشكّل تهديد إيراني جديد، يتمثل في سعي طهران إلى إعادة تأهيل قدراتها الصاروخية، وتسريع وتيرة إنتاج الصواريخ الباليستية، ومحاولة تطوير قدرات عسكرية إضافية كانت إسرائيل قد استهدفتها خلال حربها الأخيرة قبل نحو ستة أشهر.
وتعمل المؤسستان العسكرية والأمنية في إسرائيل على بناء ما يمكن وصفه بـ”ملف أدلّة” ضد طهران، يتجاوز مسألة محاولات إيران ترميم قدراتها الصاروخية ومنظوماتها الدفاعية، ليصل إلى اتهامها بالسعي إلى إعادة ترميم “المحور الإيراني” برمّته. وفي هذا السياق، تُتّهم إيران بالعمل على إعادة بناء قدرات الحوثيين في اليمن، وتنفيذ عمليات تهريب أسلحة إلى الضفة الغربية بهدف تنفيذ هجمات داخل إسرائيل، فضلًا عن إعادة تزويد حزب الله في لبنان وتنظيمات مسلّحة في سورية بالسلاح، استعدادًا لاحتمال اندلاع مواجهة عسكرية جديدة مع إسرائيل.
وبذلك تلمّح إسرائيل إلى احتمال العودة إلى نقطة ما قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وتوحي بأن مجمل ما تدّعي تحقيقه من “إنجازات عسكرية” خلال العامين الماضيين بات مهدّدًا اليوم بفعل السلوك الإيراني والخطوات التي تقول طهران إنها تنفّذها على أرض الواقع.
ويأتي هذا التصعيد قبيل زيارة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة ولقائه المرتقب مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في نهاية الشهر الجاري، ما يعزّز التقديرات بأن هذا الخطاب التصعيدي يندرج أيضًا في إطار التحضير السياسي والأمني لهذا اللقاء.
تكلفة الحرب المتوقعة
في ظل تصاعد التهديدات بإمكانية استئناف الحرب مع إيران، نشر موقع “واينت” الإخباري تقريرًا تناول مخاوف وزارة المالية الإسرائيلية من الكلفة المتوقعة لمواجهة عسكرية جديدة وتداعياتها على الاقتصاد الإسرائيلي. ووفقًا للتقرير، يسود قلق بالغ داخل وزارة المالية من أن تؤدي مواجهة جديدة مع إيران، وللسنة الثالثة على التوالي، وبعد عامين من أطول حرب في تاريخ إسرائيل، إلى جولة إضافية من التقليصات المؤلمة في ميزانيات الوزارات الخدماتية، وفي مقدمتها وزارات التعليم والصحة والرفاه والبنى التحتية، فضلًا عن إلحاق ضرر كبير ومتجدد بمعدلات النمو في الاقتصاد الإسرائيلي، وذلك بهدف تمويل تكاليف الحرب.
وأفادت مصادر رفيعة في وزارة المالية لـ”واينت” بأن اندلاع حرب جديدة مع إيران سيكلّف المنظومة الأمنية مرة أخرى عشرات المليارات من الشواكل، وسيُلزم الدولة بدفع تعويضات بمليارات الشواكل عن الأضرار المتوقعة التي قد تلحق بالمباني والممتلكات، وعن الأضرار المباشرة وغير المباشرة التي ستلحق بالأسر وبالقطاع التجاري في الاقتصاد في حال تعرّض إسرائيل لقصف صاروخي واسع النطاق. وسيُجبر ذلك الدولة على انتهاج أحد ثلاثة مسارات، لا يُعدّ أيٌّ منها خيارًا جيدًا: زيادة إضافية في عجز الموازنة العامة؛ خرق سقف الموازنة مرة أخرى هذا العام، كما حدث في العامين السابقين، حتى قبل إقرار موازنة عام 2026 نهائيًا في الكنيست؛ أو إجراء تخفيضات كبيرة في ميزانيات الوزارات الحكومية، إلى جانب فرض ضرائب، رغم أن الحكومة ستحاول تجنّب ذلك في سنة انتخابية.
تكلفة الحرب السابقة على إيران
وفقًا لتقديرات وزارة المالية الإسرائيلية، كلّفت الحرب الأخيرة على إيران الاقتصاد الإسرائيلي نحو 22 مليار شيكل. وشمل ذلك تمويل كلفة الضربات الجوية على إيران، التي قُدّرت بنحو 10 مليارات شيكل؛ وتعويضات لأصحاب المصالح التجارية، وللعاملين، ولنحو 15 ألف نازح، والتي بلغت قرابة 5 مليارات شيكل؛ إضافة إلى تمويل الأضرار الناجمة عن سقوط الصواريخ في البلدات الإسرائيلية ومعسكرات الجيش، والمقدّرة بنحو 5 مليارات شيكل. كما أسهمت الحرب في إلحاق ضرر بمعدلات النمو الاقتصادي بما لا يقل عن 0.2%، ما انعكس في تراجع الإيرادات الضريبية.
ويُذكر أنه في أعقاب تلك الحرب، أقدمت وزارة المالية على رفع سقف الموازنة الحكومية بمبلغ 30.8 مليار شيكل، إلى جانب تنفيذ تخفيضات في ميزانيات عدد من الوزارات الحكومية، في محاولة لاحتواء التداعيات المالية والاقتصادية للحرب.
هل تتحوّل الخسائر الاقتصادية إلى عبء أمني؟
دخل الاقتصاد “الإسرائيلي” الحرب على غزة، ولاحقًا مع لبنان وإيران، وهو في وضع اقتصادي جيّد ومستقر إلى حد بعيد. ويعكس ذلك مسارًا امتدّ على مدى عقدين من النمو الاقتصادي، وارتفاع الناتج المحلي الإجمالي، وتحسّن معظم المؤشرات الاقتصادية الأساسية. وقد مكّنت هذه المعطيات الاقتصاد الإسرائيلي من امتصاص التداعيات الاقتصادية للحرب في مراحلها الأولى، وسهّلت على الحكومة تجنيد قروض دولية، وإجراء تقليصات في الميزانية، ورفع الضرائب، بهدف تغطية تكاليف الحرب المتزايدة.
أما في الوقت الراهن، فإن الاقتصاد “الإسرائيلي” لم يتعافَ بعد من كلفة الحرب السابقة، وقد استنفد إلى حد كبير قدرته على تحمّل الأزمات وحالات عدم الاستقرار. ويتجلّى ذلك في ارتفاع الدين العام إلى نحو 69% من الناتج المحلي الإجمالي، واتساع العجز في موازنة الحكومة إلى قرابة 6% من الناتج المحلي. وبذلك، تختلف الظروف الاقتصادية الحالية بصورة جوهرية عمّا كانت عليه قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، سواء من حيث هامش المناورة المالية أو القدرة على امتصاص صدمات اقتصادية إضافية.
ومن هنا، فإن أي حرب جديدة مع إيران ستؤدي بالضرورة إلى ارتفاع جديد في النفقات العسكرية، وقد تفضي إلى أضرار واسعة في البلدات الإسرائيلية، وتعطيل النشاط الاقتصادي، وربما إلى موجة نزوح إضافية. وجميع هذه التداعيات ستتطلّب مصادر تمويل، سواء عبر تجنيد قروض دولية جديدة، أو من خلال توسيع العجز المالي، أو بفرض ضرائب إضافية، علمًا بأن حجم مدفوعات الفوائد على القروض الخارجية قد تضاعف خلال العام الأخير.
وتشير هذه المتغيّرات مجتمعة إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي سيواجه ضغوطًا شديدة في حال استئناف الحرب مع إيران، مع تضاؤل هامش المناورة المالية وقدرة الحكومة على احتواء الكلفة الاقتصادية للصراع.
المصدر: موقع عرب 48
موقع قناة الإتحاد الفضائية موقع تلفزيوني اخباري شامل