الرئيسية » Top » كيف يبقى نتنياهو في سدة الحكم؟

كيف يبقى نتنياهو في سدة الحكم؟

إن وصف نتنياهو بأنه مثير للاستقطاب يعدّ وصفًا مُخففًا؛ بالنسبة لمؤيديه، فهو المنقذ: مقاتلهم في الخطوط الأمامية في حرب ثقافية تُقسّم المجتمع اليهودي في “إسرائيل”…

قضى “الإسرائيليون” يومهم ملتصقون بشاشاتهم في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2025؛ إذ كان وقف إطلاق النار في قطاع غزّة قد دخل حيز التنفيذ لتوهِ، وعاد آخر عشرين رهينة “إسرائيلية” من أسر حماس، وكان العقل المدبر لاتفاق السلام، الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يلقي خطابًا في الكنيست. أعلن ترامب: «هذه ليست نهاية حرب فحسب، بل نهاية عصر من الرعب والموت، وبداية عصر من الإيمان والأمل».

كان مضيف ترامب، رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو، يجلس بين الحضور. حرص الرئيس على شكره وقال: «أريد أن أعرب عن امتناني لرجل يتمتع بشجاعة ووطنية استثنائيتين». طلب من رئيس الوزراء النهوض، وبالفعل نهض نتنياهو، ثم أومأ برأسه وابتسم. كانت لحظة فارقة. عندما نفذت حماس أسوأ هجوم على الإطلاق في تاريخ “إسرائيل” في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، مما أسفر عن مقتل 1200 مدني وجندي واختطاف 251 شخصًا، لم يتوقع سوى القليل من المحللين أن يظل نتنياهو في السلطة بعد عامين، ناهيك عن إغداق رئيس أميركي عليه الثناء. استقالت غولدا مائير، آخر رئيسة وزراء حكمت إسرائيل وقت تعرضها لهجوم مفاجئ، بعد فترة وجيزة من الهجوم. غير أنّ نتنياهو نفى أي مسؤولية عن نفسهِ ورفض التنحي. بل وألقى باللوم في الفشل في توقع الهجوم وصدّه على الجيش وأجهزة المخابرات بصورةٍ مباشرة. وعرقل إجراء أي تحقيق. وللحفاظ على حكومته سليمة، أطال أمد النزاع اللاحق على الرغم من تزايد التعب الداخلي والضغط الدولي.

وبينما كان ترامب، الذي أجبر نتنياهو على وقف الحرب، يُشيد به من على منصة الكنيست، كان رئيس الوزراء منشغلًا بالتخطيط لمعركته القادمة: الانتخابات “الإسرائيلية” المقبلة. من المقرر أن يتوجه “الإسرائيليون” إلى صناديق الاقتراع في تشرين الأول/ أكتوبر 2026، وقد تُجرى المنافسة في وقت مبكرٍ من حزيران/ يونيو من العام القادم. وقد تعهد نتنياهو بالترشح والفوز مجددًا. ولتحقيق ذلك، يحاول تصوير الحرب على أنها نصر كبير، مُنتقدًا منتقديه باعتبارهم أعداءً في الداخل. والأهم من ذلك كله، أنه استأنف جهوده لتحويل “إسرائيل” إلى نظام استبدادي من خلال تجريد القضاء من استقلاليته وتحويل النظام السياسي والجيش وأجهزة المخابرات وموظفي الخدمة المدنية عمومًا عام إلى أتباع له، بالإضافة إلى محاولته السيطرة على وسائل الإعلام من خلال لوائح قانونية جديدة.

ستكون الانتخابات القادمة بمثابة استفتاء وطني على حكم نتنياهو، كما كانت جميع الانتخابات “الإسرائيلية” منذ عودته إلى السلطة عام 2009. (قاد نتنياهو إسرائيل من عام 1996 إلى عام 1999). قد يبدو هذا للوهلة الأولى نذير شؤم لرئيس الوزراء. ففي النهاية، لم يكن نتنياهو في منصبه فقط عندما تعرضت إسرائيل للهجوم في 7 أكتوبر، بل فشل في تحقيق «النصر الكامل» على حماس الذي وعد به، رغم ادّعاءاته بالعكس، ولاتزال تُلاحقه سلسلة من الفضائح الجنائية. ولكن على الرغم من كل ذلك، ورغم تأخره في استطلاعات الرأي، فمن المرجح أن يفوز مرة أخرى. يتمتع نتنياهو بقاعدة جماهيرية كبيرة ومخلصة. في حين لا يتفق خصومه إلا على كراهيتهم له. حتى لو لم يتمكن نتنياهو من الفوز فوزًا قاطعًا، فقد يتمكن من منع المعارضة من تشكيل أغلبية فاعلة. وستكون النتيجة حكومة انتقالية يمكنه السيطرة عليها، كما فعل في الماضي.

هُو الذي يحكم

إن وصف نتنياهو بأنه مثير للاستقطاب يعدّ وصفًا مُخففًا؛ بالنسبة لمؤيديه، فهو المنقذ: مقاتلهم في الخطوط الأمامية في حرب ثقافية تُقسّم المجتمع اليهودي في “إسرائيل”. لقد عمل على استبدال النخبة القديمة العلمانية والليبرالية ذات التوجه الغربي بنخبة جديدة محافظة ومتدينة لا تخجل من التعبير عن آرائها القومية وسن قوانين تميز ضد غير اليهود. وعلى النقيض أولاء، بالنسبة لمعارضيه، فهو ديماغوجي فاسد للغاية لن يتردد في ارتكاب أي فعلٍ للوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها، بما في ذلك الاستغلال السينكي للمظالم الطبقية. من هذا المنظور، فإن أهدافه الحقيقية، حتى في أثناء الحرب، لا علاقة لها بالأمن القومي، بل تأجيجٌ لعبادة شخصيته، وللقضاء على التهم الجنائية الموجهة إليه، وللحفاظ على منصبه. أي أنّ دافعه الحقيقيّ ليس إنقاذ إسرائيل بل إنقاذ نفسه.

سبق هذا الانقسام حكم نتنياهو، مُحدِّدًا المعارك السياسية في “إسرائيل” لعقود. لكن في السنوات الأخيرة، ازداد حدته وزادت المخاطر. حصل ائتلاف نتنياهو في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، على أغلبية كبيرة (وفقًا للمعايير “الإسرائيلية”) من 64 مقعدًا من أصل 120 مقعدًا في البرلمان، مما سمح لرئيس الوزراء بالمضي قدمًا في سياساته الأكثر إثارة للجدل. لم يدخر جهدًا في بذلك. أعلنت الحكومة الجديدة بالاعتماد على أحزاب اليمين المتطرف في “إسرائيل” أن «للشعب اليهودي حقًّا حصريًّا لا جدال فيه في جميع مناطق أرض “إسرائيل»، بما في ذلك الضفة الغربية المحتلة. وهذا يعني حرمان الفلسطينيين من أي حقوق، الذين لم يكن بإمكانهم سوى مشاهدة “إسرائيل” وهي تمضي قدمًا في حملة غير مسبوقة من الاستيلاء على الأراضي وتوسيع المستوطنات.

لم يكن، وقتئذ، لدى معظم اليهود “الإسرائيليين” أي اهتمام يُذكر بالفلسطينيين، ناهيك عن عملية السلام. بل كانوا أكثر قلقًا حيال الأزمة التي تتكشف في أوساطهم. أقرت حكومة نتنياهو في كانون الثاني/يناير 2023 قوانين من شأنها أن تغتصب استقلال المحكمة العليا “الإسرائيلية” والمدعي العام، وهما الوصيان على الحريات المدنية في بلد يفتقر إلى دستور رسمي. وقد سوّق نتنياهو هذه القوانين ظاهريًا على أنها «إصلاح ضروري لتعزيز الحكم»، إلا أنها في الواقع صُممت لبناء ثيوقراطية استبدادية يقودها. فالنظام القانوني، في نهاية المطاف، لم يكن يحاكم رئيس الوزراء بتهمة الفساد فحسب. بل إنه لعقود من الزمن، حمى حقوق الأقلية العربية في إسرائيل، وكفل الحريات الدينية، وحقوق المثليين، وحرية الصحافة، وهي كلها لعنات للسياسيين اليمينيين والحريديين في “إسرائيل”، الذين سعوا إلى المزيد من السلطة والموارد لمستوطني الضفة الغربية والمؤسسات الحاخامية. وبالطبع، بذلت المحكمة العليا الكثير لمساعدة المستوطنين. على امتداد الخط الأخضر الذي يفصل “إسرائيل” ما قبل عام 1967 عن أراضيها الفلسطينية [المُحتلة]، بنى القضاء إلى حد كبير درعًا قانونيًا يحول دون إخضاع الفلسطينيين وتوسّع المستوطنات. وتدخل بين الفينة والأخرى في المشروع الاستيطاني، مذكرًا إياه باستمرار بالقانون الإنساني الدولي والتزاماته.

كانت هذه الإصلاحات القضائية المزعومة أبرز جهود نتنياهو لكسب الحرب الثقافية، وقد قوبلت بأقوى حركة احتجاجية في تاريخ “إسرائيل”. خرج مئات الآلاف إلى الشوارع. وأعلن آلاف جنود الاحتياط رفضهم الخدمة حتى سحب التشريع. لكن رئيس الوزراء واصل مسيرته حتى السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، مما أجبره على تعليق مشاريع القوانين وتشكيل حكومة حرب موسعة. لم يُصوّر نتنياهو نفسه، حتى في ذلك الوقت، على أنه شخصية تسعى لسد الفجوات وتحقيق الإجماع الوطني، بل وبينما كان الجيش “الإسرائيلي” يقاتل على جبهات متعددة وبينما واجهت “إسرائيل” انتقادات لاذعة في الخارج، انشغل نتنياهو بالبحث عن كبش فداء. واستهدف، على وجه الخصوص، مؤسسة الأمن القومي “الإسرائيلية”، التي طالما كانت القوة الأكثر نفوذًا في الحياة العامة ومعقلًا لمقاومة نتنياهو. وفي إشارة إلى فشل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، أقال رئيس الوزراء قادة الأمن والمخابرات الذين تحدوّه. إذ أقال مثلًا رونين بار، رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، من منصبه بعد أن أدلى بار بشهادة مفادها أن رئيس الوزراء طلب منه استهداف المتظاهرين المناهضين للحكومة كما لو كانوا إرهابيين. استبدله بديفيد زيني، وهو جنرال سابق يُعلن نفسه «يهوديًا مسياني» نشأ في الهامش الديني اليميني المتطرف لمستوطنات الضفة الغربية.

عدو عدوي

أدى توجه نتنياهو الاستبدادي إلى تآكل شعبيته. فمنذ إقرار القوانين القضائية، أظهرت استطلاعات الرأي العام المستقلة باستمرار فشل ائتلافه، بقيادة حزب الليكود، في تحقيق الأغلبية. وتشير استطلاعات القناة 12 إلى أنه في أيار/مايو 2023، كان ائتلاف نتنياهو يحظى بدعم كافٍ كان سيضمن له 52 مقعدًا من أصل 120 مقعدًا في الكنيست. وفي كانون الأول/ديسمبر 2023، بعد أشهر قليلة من الهجمات، انخفض هذا العدد إلى 44 مقعدًا. لكنه ارتفع إلى 52 مقعدًا بعد اغتيال “إسرائيل” للأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، عام 2024، ولا يزال عند هذا المستوى حتى اليوم.

لكن عدم شعبية الائتلاف الواضحة لا تُترجم إلى هزيمة انتخابية واضحة، بالنظر إلى الطبيعة الفوضوية للنظام السياسي “الإسرائيلي”، حيث يتعلق النصر بمنع تشكيل ائتلافات بديلة بقدر ما يتعلق بحماية التحالفات. ويدخل نتنياهو حملة 2026 بمزايا عديدة. فشغله للمنصب، على سبيل المثال، يمنحه السيطرة على شؤون الدولة، كالحرب والميزانيات والضرائب، مما يعني أنه يستطيع شن جولة أخرى من الأعمال العدائية مع حماس أو حزب الله أو إيران وتأجيل الانتخابات، أو رشوة الناخبين بتخفيضات ضريبية وامتيازات مالية. وقد أثبت الاقتصاد “الإسرائيلي” صموده رغم تكاليف الحرب الباهظة والتهديد المتزايد بالمقاطعات الدولية، حيث تفوق أداء الشيكل على مستويات ما قبل الحرب، وحطمت بورصة تل أبيب الأرقام القياسية. كما يستفيد رئيس الوزراء من قاعدة مؤيدة متحدة وراء قيادته. فهما يتشاركان رؤية مشتركة: سيادة يهودية على الفلسطينيين و”إسرائيل” كبرى تشمل الضفة الغربية، وربما قطاع غزّة وأجزاء من سوريا، ومعارضة صريحة لقيام دولة فلسطينية. إنهم يكرهون أي مؤسسة تضع ضوابط وتوازنات على سلطة الحكومة.

تنقسم معارضة نتنياهو في المقابل على نفسها. قد لا تُعجب الأحزاب المختلفة خارج حكومته بشخصية نتنياهو وسياساته في الاستيلاء على السلطة. لكنها، بخلاف ذلك، ومن مختلف الأطياف السياسية، بعضها يدعم أجندته القومية، بينما يمقتها آخرون. يرفض معظمهم العمل مع الحزبين العربيين في إسرائيل، رغم أنه من المتوقع فوزهما بعشرة مقاعد، والتي بدونها لن تتمكن المعارضة من تحقيق أغلبية 61 مقعدًا. وقد تنازلت المعارضة اليهودية في “إسرائيل” استباقيًا لنتنياهو فيما يتعلق بالحرب الأخيرة. تجرأ يائير غولان، الجنرال السابق الذي وحّد بقايا اليسار الصهيوني “الإسرائيلي” تحت مظلة الحزب الديمقراطي، على انتقاد سلوك “إسرائيل” في غزة واصفًا إياه بـ «دولة تقتل الأطفال هوايةً». لكن حتى هو لن يعارض الحرب أو لن يُظهر تعاطفًا مع الفلسطينيين المتضررين. يدعم غولان حل الدولتين، ولكن في المستقبل البعيد فقط.

قد يتمكن نتنياهو من بناء الدعم لحملته الانتخابية من خلال الإشارة إلى الحرب. فأسلوبه العدواني في القتال، بعد كل شيء، وجد دعمًا واسعًا بين الأغلبية اليهودية في “إسرائيل”. اعتبر الرأي العام السائد دمار قطاع غزّة —مقتل أكثر من 68 ألف فلسطيني، وتدمير مدن وقرى بأكملها، والاستعدادات للتطهير العرقي— ردود فعل مبررة على فظائع حماس. قُدِّمت الانتقادات العالمية لاستخدام “إسرائيل” العشوائي للقوة واتهامات الإبادة الجماعية وتصوير نتنياهو على أنه قاتل جماعي على نطاق ملحمي أمام “الإسرائيليين” على أنها مجرد تعبيرات عن معاداة السامية.

حظيت هجمات “إسرائيل” خارج قطاع غزةّ بشعبية أكثر من الهجمات في القطاع. اعتبر “الإسرائيليون” بنسبة كبيرة هزيمة حزب الله، بما في ذلك قتل نصر الله، وقصف المنشآت الإيرانية في تمّوز/يونيو (مع إرسال ترامب طائرات حربية أميركية للمساعدة) انتصارات تاريخية على أعداء “إسرائيل” الأكثر تهديدًا. هنا أيضًا، كانت المعارضة داعمة بكل إخلاص لنتنياهو. كان النقاش الوحيد يدور حول من يستحق الثناء: رئيس الوزراء الذي أمر بالضربات أم الطيارون ورجال الاستخبارات الذين نفذوها.

كانت قضية الرهائن “الإسرائيليين” في قطاع غزّة القضية الوحيدة التي انقسم الرأي العام خلال الحرب حولها. فضّل معظم “الإسرائيليين” خلال السنة الثانية من النزاع وقف إطلاق النار الذي من شأنه أن يعيد الرهائن إلى ديارهم، وواجه نتنياهو احتجاجات حاشدة قادتها عائلات الأسرى. غير أنّ نتنياهو، بقيادة زعيميّ ائتلافه اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، اختار تصعيد القتال بدلًا من ذلك. ووصمَ حلفاؤه عائلات الأسرى التي قادت المظاهرات بأنهم متعاونون مع العدو. لم يعد آخر الرهائن إلا عندما فرض ترامب وقف إطلاق النار واتفاقية تبادل الأسرى “الإسرائيليين” والفلسطينيين على نتنياهو.

كانت هذه النتيجة في الوقت نفسه جيدة لنتنياهو. فقد حقق المطلبين الرئيسيين للمحتجين بقبوله للاتفاقية: إنهاء الحرب واستعادة الرهائن. وبإلقاء اللوم على ترامب في التسوية، تجنب غضب شركائه المتشددين. يمخر نتنياهو عُباب الخلافات السياسية من خلال اللعب على الوجهين في آن واحد. فرئيس الوزراء نفسه الذي يبالغ في تقدير سلطته لا يمانع في تصويره كطرفٍ فاعلٍ في يد جهاتٍ أكثر نفوذًا. لا يهمه إن بدا قويًا أم ضعيفًا، طالما أنه قادرٌ على الحفاظ على منصبه.

ائتلاف الراغبين

أقوى منافس لنتنياهو هو رئيس الوزراء “الإسرائيلي” السابق نفتالي بينيت، الذي قاطع، من حزيران/ يونيو 2021 إلى حزيران/ يونيو 2022، حكم نتنياهو الذي دام 15 عامًا. بينيت طموح، ويُركِّزُ على تحقيق أهدافه، ولم تشب مسيرته أي اتهامات بالفساد الشخصي؛ فهو رجل أعمال ناجح في مجال التكنولوجيا وضابط سابق في العمليات الخاصة يرتدي القلنسوة اليهودية، يمزج بين سلالتين مهيمنتين من الثقافة “الإسرائيلية” المعاصرة: القومية الدينية والمادية العلمانية. ويدرك بصورةٍ مباشرة أن مفتاح السلطة في نظام “إسرائيل” التعددي الحزبي هو تغيير الولاءات وإغراء المنشقين. أتقن نتنياهو هذا التكتيك، حيث اشترى دعم منافسيه من خلال منحهم ألقابًا وزارية. في الواقع، خدم بينيت في حكومة نتنياهو من عام 2013 إلى عام 2020، وأصبح وزيرًا للدفاع وتفوق على رئيس الوزراء من اليمين. لكن في عام 2021، تفوق بينيت على رئيسه السابق، وتحالف مع حزب اليسار، وشكّل ائتلافًا غير مسبوق مع الزعيم الوسطي يائير لابيد، وحزبين يساريين، وحتى حزب عربي محافظ اجتماعيًا. أوصلته هذه الانتهازية إلى السلطة.

انهارت حكومة «التغيير» هذه بعد عام، ممهدة الطريق لعودة نتنياهو الانتقامية. لكن بروزها أظهر أن بينيت يعرف كيف يرأب الصدوع المجتمعية ويجمع بين اليمين واليسار واليهود والعرب والمتدينين والعلمانيين. قد يكون شعاره في الانتخابات القادمة «نتنياهو يُفرّق، وأنا أُوحّد».

حاليًا، تُعطي استطلاعات الرأي بينيت فرصةً جيدةً للفوز. لكن مساره غير واضح. بدايةً، لم يُعلن بينيت، الذي استقال من البرلمان بعد عامٍ قضاه رئيسًا للوزراء، عن ترشحه إلا مؤخرًا. لم يُشكّل بعدُ فريقًا سياسيًا، ناهيك عن جمع قادة المعارضة “الإسرائيلية” المتصارعين (الذين لم يتفقوا بعد على صورة جماعية، ناهيك على أي أمرٍ آخر). ولن يتجاوز هذه المرة الحد: فمثل معظم قادة المعارضة الحاليين في البرلمان، تعهد بعدم ضمّ حزب عربي إلى ائتلافه.

كما استبعد فعليًا تشكيل ائتلاف مع الفئة السكانية الأخرى الأكثر استقطابًا والأسرع نموًا في “إسرائيل”، اليهود الحريديون المتطرفون. ومع ذلك، على عكس الأحزاب العربية، قد يكون استبعاد الحريديين المتطرفين خطوة سياسية ذكية. تقدم هذه الفئة السكانية لبينيت قضية خلافية يمكن أن تؤدي إلى تفكك ائتلاف نتنياهو: التجنيد الإجباري. لعقود من الزمن، تمتع الطلاب الحاخاميون الحريديون المتطرفون بإعفاء شامل من التجنيد، والذي يحرص قادتهم على حمايته. ولكن في عام 2023، قضت المحكمة العليا “الإسرائيلية” بعدم قانونيته، وأمرت الحكومة بوضع تشريع يضمن المساواة بين الشباب في سن التجنيد. في البداية، لم يكن الجيش حريصًا على تجنيد عشرات الفتيان المراهقين الذين يفتقرون إلى التعليم الأساسي في الرياضيات واللغة الإنجليزية، وطالبوا بنظام غذائي خاص ودروس توراة صارمة والبعد عن النساء المجندات. لكن 7 أكتوبر، الذي أسفر عن آلاف الضحايا وخدمة طويلة للمجندين والاحتياط، غيّر المفاهيم. ثارت حمية وغضب بقية المجتمع “الإسرائيلي” لاضطرار شبابهم للخدمة العسكرية بينما لم يفعلها الحريديون المتشددون. وكان الغضب أشد وطأة بين القوميين المتدينين، الذين يخدمون، مع حفاظهم على أنماط الحياة الحريدية، غالبًا في الصفوف الأمامية، وأحيانًا طوال معظم حياتهم المهنية.

لقد ثبت حتى الآن استحالة التوصل إلى حل وسط يُرضي كلًا من الحاخامات الحريديين المتشددين وقانون “إسرائيل”، ما سبب صداعًا لنتنياهو. يقوم ائتلاف رئيس الوزراء على تحالفه مع كل من الأحزاب الحريدية المتشددة والقومية المتطرفة. انسحبت الأحزاب الحريدية المتشددة من حكومة نتنياهو في تموز/يوليو لدفع رئيس الوزراء إلى إيجاد حل بديل لقرار المحكمة. لكن الحريديين المتشددين ما زالوا يفضلون نتنياهو بوضوح على بينيت وشركائه العلمانيين، ولذلك لم يُسقطوا حكومته. من المرجح أن يتخلى الناخبون القوميون المتدينون عن تحالفهم، وقد أغراهم بينيت بوعده بـ«تحالف الخدمة». ومع ذلك، يُفضل الكثير منهم أيضًا القومية الصريحة لرئيس الوزراء الحالي على تعاون منافسه مع يسار الوسط، الأقل حماسًا لمستوطنات الضفة الغربية.

الانطلاق بأقصى سرعة

بينما يُجهّز بينيت حملته، ومع انتهاء الحرب (أو على الأقل توقفها مؤقتًا)، استأنف نتنياهو جهوده لجعل “إسرائيل” دولة استبدادية. استأنفت الحكومة ثورة قضائية، محققةً أكبر انتصار علني لها حتى الآن بإسقاط كبيرة المسؤولين القانونيين في الجيش، الجنرال يفعات تومر يروشالمي. ليست تومر يروشالمي نموذجًا للفضيلة: فقد غضت الطرف مرارًا وتكرارًا عندما اتُهمت القوات المسلحة بارتكاب جرائم حرب. ولكن عندما حاكمت فريقًا من جنود الاحتياط لتعذيبهم سجينًا من قطاع غزّة، أثارت غضب مؤيدي الحكومة. في النهاية، قُبِضَ عليها واعتُقلت لتسريبها مقطع فيديو للإساءة ثم التستر والكذب بشأن نشر الفيديو. اعتُقلت يروشالمي واستخدم فريق نتنياهو قصتها لتصوير القضاء على أنه مجموعة من الخونة الذين يجب تطهيرهم. أعلن نتنياهو أيضًا دعمه لإعدام الإرهابيين، وهو مطلب أساسي لليمين المتطرف في “إسرائيل”، وأعاد إحياء محاولاته لإقالة النائبة العامة “الإسرائيلية”، غالي بهاراف ميارا، التي تتمتع، بصفتها المدعية العامة العليا في “إسرائيل”، بصلاحيات واسعة خارج نطاق السيطرة السياسية، ما سمح لها بمواصلة مقاضاة رئيس الوزراء. تُعزّز الحكومة “الإسرائيلية” في غضون ذلك استبدادها الديني من خلال التشريعات، حيث قدمت مشروع قانون يمنحها سيطرة أكبر على وسائل الإعلام، وهو مشروع قانون من شأنه توسيع صلاحيات المحاكم الحاخامية.

قد يحدد مصير هذه الجهود مصير الفضائح التي يتورط فيها نتنياهو ودائرته الداخلية. فبالإضافة إلى محاكمته الجارية بثلاث تهم فساد، يخضع جوناثان أوريش وإسرائيل أينهورن وإيلي فيلدشتاين، خبراء الدعاية الذين شكلوا رسائل نتنياهو السياسية، للتحقيق الجنائي لتلقيهم رواتب من رئيس الوزراء ومن قطر (راعية حماس) قبل وفي أثناء الحرب الأخيرة. وقد أدى اتفاق رئيس الوزراء على قيام قطر بتمويل حماس في السنوات التي سبقت السابع من أكتوبر إلى تأجيج هذا الجدل. ويُنظر على نطاق واسع إلى تعيين زيني رئيسًا لجهاز الشاباك على أنه مناورة لإغلاق القضية، بالإضافة إلى كونه وسيلة أخرى لمحاولة التخلص من بهاراف ميارا. وقد سُيِّست الشرطة الوطنية في “إسرائيل” بالفعل عل نحوٍ عميق على يدِ وزيرها بن غفير.

لقد خففت وحشية الشرطة وإرهاق الحرب من حدة الاحتجاجات. ومع ذلك، في ظل هذه السلسلة من الخلافات، قد يكون من الصعب فهم سبب رغبة “الإسرائيليين” في إعادة نتنياهو إلى السلطة حتى لو انتهت القضايا الجنائية، خاصة بعد 7 أكتوبر. لكن مؤيدي رئيس الوزراء يرون في التحقيقات معه مؤامرة من الدولة العميقة لمنع “إسرائيل” من التحول إلى الدولة الدينية اليهودية التي يريدونها. وبهذه الطريقة، فهم لا يختلفون كثيرًا عن أشد ناخبي ترامب حماسة. يستخدم الزعيمان أساليب لعب متشابهة. وفي بلد يحظى فيه الدعم الأميركي بالأهمية القصوى، يحظى نتنياهو بتأييد ترامب. حتى أن ترامب ندد بالمحاكمات ضد نتنياهو ووصفها بأنها حملة شعواء، تمامًا كما ندد بمحاكمته. خلال تصريحاته في الكنيست، دعا الرئيس الأميركي رئيس “إسرائيل” إلى العفو عن رئيس الوزراء.

وهكذا كان لدى نتنياهو كل الأسباب للابتسام بينما كان ترامب يتحدث، حتى وهو يستعد لأحدث وأصعب معركة في حياته المهنية. قد يكون الفوز بإعادة الانتخاب أصعب من محاربة حماس. لكن هذه معركة مألوفة لنتنياهو الذي يعرف كيف يخرج منها منتصرًا بمهارة.

المصدر: موقع “فورين أفيرز”

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الشيخ قاسم: المشاركة بمدني في لجنة “الميكانيزم” سقطة.. إعملوا على تفاهم داخلي يُلزم العدو بالإتفاق

أكد الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أن المشاركة برئيس مدني في لجنة وقف ...