ترامب ينكفئ نحو أميركا اللاتينية ويهاجم أوروبا ويحدّ من الهجرة في إستراتيجيته الأمنية

عرض الرئيس الأميركيّ، دونالد ترامب، اليوم الجمعة، إستراتيجية تقوم على تحوّل جذري في سياسة الولايات المتحدة الخارجية، تنقل تركيز القوة العظمى من الساحة العالمية إلى الجوار الإقليمي، وتنذر بزوال الحضارة الأوروبية، وتضع الحد من الهجرة الجماعية على رأس أولوياتها.
وبناء على وثيقة الأمن القومي التي تحدّد رؤية خارجة عن المألوف للعالم، تتصدّر أميركا اللاتينية أجندة الولايات المتحدة في تحوّل جذري عن دعوتها تاريخيا للتركيز على آسيا في مواجهة صعود الصين، مع تسجيل تراجع كبير في اهتمام الإدارة الحالية بالشرق الأوسط.
وقال ترامب في تمهيد للوثيقة المنتظرة منذ مدة طويلة، إنه “في كل ما نفعله، نضع أميركا أولا”.
وفي قطيعة مع عقود من المساعي الرامية إلى الانفراد بموقع القوة العظمى، تؤكد الإستراتيجية أن “الولايات المتحدة ترفض أن تنتهج بنفسها المبدأ المشؤوم للهيمنة على العالم”.
وإن كانت تشير إلى أن الولايات المتحدة ستمنع قوى أخرى، لا سيما الصين، من الهيمنة أيضا، فهي تؤكد أن “ذلك لا يعني هدر الدماء والأموال للحدّ من نفوذ جميع قوى العالم العظمى والمتوسطة”.
وتعهّدت الإستراتيجية “تعديل حضورنا العسكري العالمي للتعامل مع التهديدات العاجلة في الجزء الذي نحن فيه من الكرة الأرضية، بدءا من الهجرة”.
فالإستراتيجة تؤكد أنه “عصر الهجرة الجماعية يجب أن ينتهي”. كما توضح أن الولايات المتحدة في عهد ترامب ستسعى لتحقيق أهداف مشابهة في أوروبا، تتوافق مع أجندات أحزاب اليمين المتشدد.
وفي لغة غير مألوفة عند مخاطبة حلفاء مقرّبين، تشير الإستراتيجية إلى أن الإدارة الأميركية ستعمل على “تنمية المقاومة لمسار أوروبا الراهن داخل البلدان الأوروبية نفسها”.
وجاء الرد الألماني سريعا، إذ شددت برلين على أنها ليست بحاجة إلى من يعطيها “نصائح من الخارج”.
وتشير الإستراتيجية إلى تراجع حصة أوروبا في الاقتصاد العالمي، وهو أمر ناجم إلى حد كبير عن صعود الصين وغيرها من القوى، وتقول إن “التراجع الاقتصادي يطغى عليه احتمال حقيقي وأكثر وضوحا يتمثل بالمحو الحضاري… إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فلن يعود من الممكن التعرّف على القارة في غضون عشرين عاما، أو أقلّ”.
وفي وقت يسعى ترامب لوضع حد للحرب في أوكرانيا بموجب خطة تمنح روسيا مزيداً من الأراضي، تتّهم الإستراتيجية الأوروبيين بالضعف، وتؤكد أن على الولايات المتحدة أن تركّز على “محو الانطباع بأن الناتو حلف يتمدّد بلا انقطاع، والحيلولة دون تجسّد ذلك على أرض الواقع”.
تحديث “مبدأ مونرو”
ومنذ عودته إلى السلطة في كانون الثاني/ يناير، أمر ترامب بالحدّ بشكل كبير من الهجرة بعد مسيرة سياسية بُنيت على إثارة المخاوف من تراجع نفوذ ومكانة الأغلبية البيضاء.
وتتحدّث الإستراتيجية صراحة عن تعزيز هيمنة الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية، حيث تستهدف إدارة ترامب مهرّبي مخدرات مفترضين في البحر، وتتدخل ضد قادة يساريين، وتسعى علنا للسيطرة على موارد رئيسية مثل قناة بنما.
وتظهر الإستراتيجية ترامب على أنه يعمل على تحديث “مبدأ مونرو” القائم منذ قرنين، والذي أعلنت في إطاره الولايات المتحدة التي كانت حديثة العهد حينذاك، أن أميركا اللاتينية منطقة محظورة على القوى المنافسة.
فهي تقول “سنُعلن ونطبِّق مُلحق ترامب على مبدأ مونررو”.
في المقابل، تولي الإستراتيجية اهتماما أقل بالشرق الأوسط، المنطقة التي لطالما شغلت واشنطن.
وفي إشارة إلى الجهود الأميركية لزيادة إمدادات الطاقة في الداخل وليس من الخليج، تنص الإستراتيجية على أن “هدف أميركا التاريخي للتركيز على الشرق الأوسط سيتراجع”.
ومع التذكير بأنّ أمن إسرائيل أولوية بالنسبة لواشنطن، تتجنَّب الوثيقة استخدام اللغة نفسها حيال “إسرائيل”، والتي كانت تُستخدم حتى في إدارة ترامب الأولى.
وأما بالنسبة للصين، فتكرر الإستراتيجية الدعوة لتكون منطقة آسيا والمحيط الهادئ “حرة ومفتوحة” مع التركيز على بكين كمنافس اقتصادي في المقام الأول.
وبعد تكهّنات عديدة بشأن ما سيكون عليه موقف ترامب من تايوان التي تطالب بها بكين، توضح الإستراتيجية أن الولايات المتحدة تؤيد الوضع القائم منذ عقود، لكنها تدعو حليفتيها اليابان وكوريا الجنوبية للمساهمة أكثر، لضمان قدرة تايوان على الدفاع عن نفسها أمام الصين.
وكما هو متوقع، تركّز الإستراتيجية بدرجة أقل على إفريقيا، قائلة إن على الولايات المتحدة الابتعاد عن “الفكر الليبرالي”، و”العلاقة القائمة على المساعدات” والتأكيد على أهداف على غرار تأمين المعادن الحيوية.
ويصدر الرؤساء الأميركيون عادة “إستراتيجية للأمن القومي” في كل ولاية لهم في البيت الأبيض.
ومنحت الأخيرة التي نشرها جو بايدن في 2022 أولوية للتفوّق في المنافسة مع الصين مع كبح جماح روسيا التي وُصفت بأنها “خطيرة”.
ألمانيا تندّد بإستراتيجية ترامب الأمنية وتؤكد أنها لا تحتاج إلى “نصائح من الخارج”
وشدّد وزير الخارجية الألماني، يوهان فاديفول، الجمعة، على أن بلاده لا تحتاج إلى “نصائح من الخارج”، بعدما نشرت إدارة الرئيس الأميركي الإستراتيجية الجديدة التي تنتقد بشدّة، حلفاء واشنطن الأوروبيين.
وقال الوزير: “أعتقد بأن قضايا حرية التعبير أو تنظيم مجتمعاتنا الحرة لا مكان له (في الإستراتيجية)، على الأقل في ما يتعلق بألمانيا”.
موقع قناة الإتحاد الفضائية موقع تلفزيوني اخباري شامل