ضربات اليمن تعيد رسم خارطة الصراع.. وتفضح الرواية “الإسرائيلية”..

في تصعيد مستمر، تواصل القوات المسلحة اليمنية شنّ هجمات صاروخية وهجمات بطائرات مسيّرة بعيدة المدى ضد أهداف داخل الكيان “الإسرائيلي”، في إطار ما تصفه بالواجب الأخلاقي والعربي تجاه قطاع غزة، رغم الغارات الإسرائيلية التي طالت الأراضي اليمنية في محاولات واضحة لوقف هذا الدعم.
ورغم الفجوة الجغرافية الشاسعة بين اليمن وفلسطين المحتلة، إلا أن القوات اليمنية باتت تثبت فعالية متزايدة في إيصال رسائلها عبر صواريخها ومسيّراتها بعيدة المدى.
ويبدو أن هذا الإسناد المستمر أصبح جزءًا من معادلة الردع الجديدة التي فرضها اليمن على “إسرائيل”، وأثبت أن الرد على جرائم الاحتلال في غزة لم يعد محصورًا بالجغرافيا الفلسطينية، بل بات عابراً للحدود والبحار.
وبحسب مصادر إعلامية إسرائيلية، فإن صافرات الإنذار تدوي بشكل شبه يومي في مناطق مختلفة من الكيان، نتيجة لرصد صواريخ قادمة من اليمن، أدت إلى تعطيل لحركة الملاحة الجوية في أوقات مختلفة، وتفعيل منظومة الدفاع الجوي “حيتس” و”القبة الحديدية”، في محاولة للتصدي لتلك الهجمات، التي باتت تمثل تحدياً أمنياً واستراتيجياً حقيقياً لتل أبيب.
وفي المقابل، تؤكد القيادة العسكرية اليمنية أن الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مواقع في العاصمة صنعاء وميناء الحديدة الإستراتيجي ومناطق أخرى، لم تُضعف إرادة اليمنيين في الاستمرار في دعم الشعب الفلسطيني.
وصباح اليوم، أعلنت القوات المسلحة اليمنية، تنفيذ عملية عسكرية نوعية استهدفت مطار اللد في منطقة يافا المحتلة، باستخدام صاروخ باليستي فرط صوتي من نوع ” فلسطين 2″، مؤكدةً على أنّ العملية حققت هدفها بنجاح، وتسببت في هروب الملايين من المستوطنين إلى الملاجئ وتوقف حركة المطار.
وقالت القوات إنّ العملية تأتي انتصاراً لمظلومية الشعب الفلسطيني ومجاهديه الأعزاء، ورداً على جريمة الإبادة الجماعية التي يقترفها العدو الصهيوني بحق إخواننا في قطاع غزة.
الحقيقة أقوى من السردية
وعلى غير عادتها في حروب سابقة، لم تتمكن الرقابة العسكرية الإسرائيلية من التعتيم الكامل على نتائج بعض الهجمات اليمنية، خاصة حينما تسببت في تعطيل مطارات أو ضربت مناطق حساسة لا يمكن إخفاؤها، كالموانئ أو المنشآت الحيوية.
ويرى مراقبون أن حجم الضربات، جعل من الصعب على المؤسسة العسكرية الإسرائيلية فرض السيطرة الكاملة على المشهد الإعلامي، كما أن تعقيدات الحرب النفسية ومخاوف انهيار الجبهة الداخلية دفعت الإعلام الإسرائيلي، في بعض الحالات، إلى الإقرار الجزئي بوقوع إصابات أو أضرار مادية.
الباحث والمختص في الشأن الإسرائيلي، فايد أبو شمالة، فند الرواية الرسمية التي تقدمها حكومة الاحتلال بشأن الصواريخ التي تُطلق من اليمن باتجاه الأراضي المحتلة، مؤكدًا أن الرواية الإعلامية الصهيونية تخضع لرقابة مشددة تهدف إلى فرض سردية أحادية على الجمهور المحلي والدولي.
وأوضح أبو شمالة أن تسلسل الرواية الإسرائيلية بات متكرراً وثابتاً، ويبدأ بالإعلان عن “رصد صاروخ أُطلق من اليمن”، يتبع ذلك انطلاق صافرات الإنذار في عدد من المناطق، ثم تعلن الجبهة الداخلية دعوة المواطنين للدخول إلى الملاجئ، وتُرفق هذه البلاغات عادةً بصور لخريطة توضح أماكن الإنذارات عبر نقاط حمراء.
وبعد دقائق، تُعلن وسائل الإعلام عن “اعتراض الصاروخ”، وتُرفق النشرات بصور بعيدة للسماء، لتنتهي الرواية بالإشارة إلى “عودة الحياة إلى طبيعتها” بعد تعطيل مؤقت لحركة الطيران.
وأشار الباحث إلى وجود مؤشرات واضحة تُضعف من مصداقية هذه الرواية، أبرزها اختفاء مشاهد الهلع في الشوارع، وهي مشاهد كانت تُبث سابقًا، وغياب تام لصور مواقع سقوط الصواريخ أو بقاياها أو حتى بقايا صواريخ الاعتراض.
وأشار إلى أن الاحتلال منع المقابلات العفوية مع للمستوطنين للحديث عن مشاعرهم أو تجربتهم أثناء القصف، وحظر تصوير ما يجري داخل المطارات عند إعلان تعليق الحركة الجوية.
وأكد أبو شمالة أن السيطرة على الخطاب الإعلامي بات جزءًا أساسيًا من أدوات الحرب التي تستخدمها “إسرائيل”، لكنها فشلت في الحفاظ على هذه السردية في محطات عدة، أبرزها خلال الأيام الأخيرة من الحرب مع إيران، حين ضربت الصواريخ الإيرانية مواقع لا يمكن التعتيم عليها إعلامياً.
وشدد الباحث بالقول: “لا يمكن الادعاء بأن جميع الصواريخ تُصيب أهدافها، لكن من المؤكد أن ليس جميعها يُعترض. وكل صاروخ يحمل رسالة للعالم: هذا الاحتلال إلى زوال”.
تحول استراتيجي في ميزان القوى
من جانبه، قال الخبير العسكري الاستراتيجي الفريق قاصد محمود إن جماعة أنصار الله اليمنية، أحدثت تحولاً بارزاً في ميزان القوى على المستوى الاستراتيجي في الصراع مع الاحتلال “الإسرائيلي”، عبر تدخلهم العسكري المباشر والمتواصل من خلال ضربات صاروخية وطائرات مسيّرة قطعت مسافات تصل إلى ألفي كيلومتر، وحصار بحري وجوي جزئي من حين لآخر.
وأوضح الفريق محمود في حديث خاص لوكالة “شهاب” للأنباء، أن “هذا الضغط النفسي والعصبي على إسرائيل بات يشكل تحدياً حقيقياً، خاصة مع اضطرارها للتعامل مع تهديدات صاروخية مكلفة من جهة لم تكن في السابق ضمن أولويات استخباراتها أو عملياتها العسكرية”، مشيراً إلى أن “اليمن أصبحت ساحة جديدة للعداء مع إسرائيل، وهي تتمتع بخصائص جغرافية وحصون طبيعية تجعل من استهدافها تحدياً بالغ الصعوبة”.
وأضاف: “اليمن قدمت قيمة استراتيجية جديدة، وسدّت فراغاً على المستوى الاستراتيجي في الحرب، في الوقت الذي بقيت فيه المقاومة الفلسطينية تؤدي أدواراً مهمة على المستويين التكتيكي والعملياتي، لكنها تواجه صعوبات في التأثير الاستراتيجي بسبب الحصار الجغرافي والمحدودية في الإمكانيات”.
وأكد أن “الدور اليمني فتح البحر الأحمر والممرات المائية وأدخل تهديدات جديدة على الأجواء، كما أنه ربط بشكل عضوي وواضح بين عملياته العسكرية وما يجري في غزة، من حصار وعدوان ومجازر يرتكبها الاحتلال ضد المدنيين”.
وأشار الفريق محمود إلى أن هذا الربط بين جبهتي اليمن وغزة يشكل قيمة سياسية عالية، تدخل في حسابات التفاوض والمقايضات السياسية، ما يعزز من تأثير محور المقاومة بشكل عام.
وتابع: “رغم التراجع المؤقت في الهجمات أثناء الاشتباك المباشر بين إيران و”إسرائيل”، فإن عودة أنصار الله لتنفيذ هجمات في الأيام الأخيرة، تؤكد أن القرار مستمر والقدرة حاضرة”.
وبحسب الفريق محمود، “إسرائيل” لن تتوانى عن توجيه ضربات انتقامية لأي هدف يمني يتم التأكد من موقعه، سواء كان عسكرياً أو اقتصادياً، في محاولة لإلحاق الأذى باليمن وشعبه.
وأردف الخبير العسكري قائلا: “اليمن اليوم يمثل العداء العربي الأوضح لإسرائيل، وهذا الموقف الشعبي يتجاوز الانقسامات السياسية الداخلية، مما يعطيه زخماً قومياً وعسكرياً واستراتيجياً يعزز من موقف المقاومة ويدعم قضية فلسطين في مواجهة الاحتلال”.
وكان نائب رئيس الهيئة الإعلامية لجماعة “أنصار الله” اليمنية صرح قائلا: “غزة ليست وحدها واليمن لا ينام على ضيم”، موجها رسالة تحذير إلى الاحتلال بقوله: “على الصهاينة التوجه إلى الملاجئ، فمن يعتدي على غزة وعلينا لن ينام بهدوء”.
وسبق أن أعلنت جماعة القوات المسلحة اليمنية استهدافها مطار اللد “بن غوريون” وسط فلسطين المحتلة مرات عدة، إحداها بصاروخ قالت إنه باليستي فرط صوتي نوع “فلسطين 2″، مشيرة إلى أنها “حققت نجاحا وأدت إلى توقف حركة الملاحة الجوية في المطار”.
وتشن القوات المسلحة اليمنية من حين إلى آخر هجمات بصواريخ ومسيّرات على الكيان “الإسرائيلي”، بعضها استهدف “تل أبيب”، قابلتها ضربات “إسرائيلية” لمواقع قالت إنها عسكرية للجماعة اليمنية، قبل أن توقف الجماعة هجماتها مع دخول وقف إطلاق النار بغزة حيز التنفيذ في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، وتستأنفها بعد تجدد العدوان على القطاع.
المصدر : وكالة شهاب