الرئيسية » Top » زيارة المبعوث الأمريكي إلى لبنان.. بين التهدئة والمساومات على سلاح المقاومة

زيارة المبعوث الأمريكي إلى لبنان.. بين التهدئة والمساومات على سلاح المقاومة

شكّلت الحرب الأخيرة على لبنان مدخلاً كبيراً للدول المعادية لإعادة طرح مسألة سلاح المقاومة بزخم أكبر وبوتيرة ضغط عالية الحدة أثّرت بشكل كبير على الداخل اللبناني، إذ أصبح النقاش حول السلاح الأكثر تداولاً، وعلّقت عليه جميع المشاريع التي أوردتها مواقع رئاسة الجمهورية والحكومة في بياناتها مع بداية عهدها، فأصبحت شؤون البلد من إصلاح اقتصادي ودعم مالي دولي وإعادة إعمار جميعها رهناً بموضوع سلاح المقاومة.

تشترك عدة دول في المنطقة والعالم في هذا الضغط على لبنان للوصول إلى حل لمسألة سلاح المقاومة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ومؤخراً بدأ مبعوث ترامب الجديد “توم براك” لسوريا ولبنان سلسلة من الإجراءات الدبلوماسية الهادفة إلى الضغط على الدولة اللبنانية.

ويرافق هذا الضغط الأمريكي اعتداءات إسرائيلية متكررة تهدف إلى إلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر خلال المرحلة الحالية، لأن الحزب لا يرد حتى الآن على التعديات، نتيجة الفرصة المعطاة للدولة لتحقيق وقف الاعتداءات عبر المسار الدبلوماسي. كما تهدف الاعتداءات إلى زيادة الضغط على الدولة والشعب اللبناني للإسراع في عملية نزع سلاح المقاومة.

جميع الأطراف المعادية للمقاومة متفقة على تحقيق هدف نزع السلاح، وهي تشمل أطرافاً محلية وإقليمية ودولية، إلا أن الأسباب والدوافع تختلف بينهم، وباختلاف الأسباب والدوافع والمواقع تختلف الأساليب في تحقيق الهدف.

في زيارته الأخيرة إلى لبنان، كانت الركيزة الأساسية في كلام المبعوث الأمريكي توم باراك قوله إن السلاح وحلّه مسألة داخلية، وأن الإدارة الأمريكية لن تتدخل في هذا الشأن.

ويُظهر هذا التصريح أن الإدارة الأمريكية ليست معنية بشكل مباشر بالتركيز على الساحة اللبنانية في هذا الوقت، إذ أن الملفات العالمية وأزماتها ليست في حالة ركود، بل تزداد توتراً تدريجياً، وأهمها بالنسبة للإدارة الصين وروسيا وإيران. فالانشغال الأمريكي المباشر في لبنان يؤثر تلقائياً على جهود حلحلة الأزمات في الملفات الأخرى.

وأوضح باراك ذلك حين قال إن الحل من عدمه في لبنان لا يؤثر على التحولات في المنطقة (في إشارة إلى مسار السلام مع الكيان الإسرائيلي)، بل يبقي لبنان في الخلف، وهي إشارة إلى أن الإدارة لا تعطي لبنان ووكلاءها فيه اهتماماً بناءً على ما يمكن أن تتأثر به مصالحها، وإنما هي فقط جولات لخفض التصعيد وتأمين السلم العسكري والأمني للكيان الإسرائيلي. ولكن هل يعني ذلك أن الكيان الإسرائيلي لا يريد الحرب مع لبنان؟

حتى المبعوث الأمريكي، صرّح البارحة بأن الثقة بالإسرائيلي “كالمشي على الماء”، ليس لأنه لا يعلم بما ينوون القيام به، بل لإدراكه أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وصل إلى واشنطن، وهناك يتم رسم خطوط المرحلة القادمة.

أصبح واضحاً للإدارة الأمريكية أن الحروب التي يخوضها نتنياهو في دول محور المقاومة لا طائل منها؛ فبالرغم من أنها متقدمة تكتيكياً، إلا أنها على المدى الاستراتيجي لن تحقق هدف الإخضاع والكسر.

تكثيف الحركة الأمريكية تجاه لبنان من خلال مبعوثها “باراك” كان يهدف إلى تمكين السياسات الأمريكية لدى الجهات الرسمية اللبنانية، إلا أن الموقف اللبناني، وبحكم معرفة الظرف الداخلي وخطورة الموافقة على سياسات أمريكا لنزع سلاح المقاومة، جاء الرد اللبناني بصيغة مرنة تقضي بأن يستجيب الاحتلال لمطالب الخروج من لبنان ووقف الاعتداءات وتحرير الأسرى كخطوة أساسية للبدء بطرح مسألة سلاح المقاومة.

وهذا الموقف الرسمي اللبناني أحبط محاولات تثبيت المشروعية الأمريكية التي قادها “توم براك” بمساعدة وكلاء داخل لبنان.

حافظت المقاومة على موقفها من الحلول الدبلوماسية التي تعمل عليها الدولة اللبنانية، محافظاً على موقفه من الدفاع عن لبنان كمقاومة شرعية للاحتلال. القوى الوكيلة للخارج في لبنان تعتبر أن قرار الحرب والسلم بيد حزب الله، بينما الأخير يتعاون مع الدولة في هذا الشأن دون أي رد على الاعتداءات الإسرائيلية التي تستهدفه تحديداً أو القيام بخطوة لإخراج العدو من الأراضي اللبنانية.

هذا الموقف أفرغ العدو والإدارة الأمريكية من حجج السيطرة على القرار اللبناني، بينما ظهر العدو المعتدي غير مكترث بأي اتفاقات.

من خلال رسائل براك في لبنان، يتضح أن هناك ثلاث خيارات ممكنة:

الأول هو خيار الخديعة، أي أن تكون رسائل الرضا تمهيداً لهجوم إسرائيلي مفاجئ، لكن هذا الخيار انتفى بعدما أبدت المقاومة والبيئة الحاضنة لها حذراً بناءً على التجربة الأخيرة، أي الحرب التي بدأها الاحتلال بسلسلة أعمال أمنية، وحتى المبعوث الأمريكي نفسه لم يمنح الشرعية للكيان بالقيام بحرب، إذ لم يشر إلى أن الحلول الدبلوماسية انتهت بل عبر عن رضاه بما قدمته الدولة اللبنانية من رد على رسالته.

أما الخيار الثاني فهو توتير وتصعيد الوضع الداخلي في لبنان، لكن براك أوضح أن ملف السلاح وكيفية التعامل معه شأن لبناني داخلي، وأن الإدارة الأمريكية لا تتدخل فيه، وبذلك تكون الإدارة قد وضعت وكلائها في لبنان في موقف يتحملون فيه بمفردهم مسؤولية ملف السلاح، وهو موقف صعب لا يمكن أن يحقق تقدماً دون مساندة غربية وإسرائيلية.

أما الخيار الثالث فهو قرار الحرب، فإن حزب الله، من خلال حفاظه على موقفه الدفاعي والتزامه بالوقوف خلف الدولة في معالجة التعديات الإسرائيلية دبلوماسياً، أفقد الإدارة الأمريكية والكيان الإسرائيلي ورقة مشروعية الحرب على لبنان، وعليه، إذا ما أعطي الضوء الأخضر للكيان بشن حرب عدوانية، فستكون حرباً بلا مشروعية ودون أفق سياسي أو قدرة على استمرارها حينما تصبح معاكسة لتطلعاتهم.

المصدر: مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الرئيس الإيراني: العودة الى المفاوضات شريطة الثقة في عملية الحوار

قال رئيس الجمهورية مسعود بزشكيان : اننا لا نواجه مشكلة مع التفاوض، لكن الكوارث التي ...