الرئيسية » اقتصاد » حرب “الذهب الأبيض”.. كيف تنافس أوروبا على معادن إنتاج السيارات الكهربائية؟

حرب “الذهب الأبيض”.. كيف تنافس أوروبا على معادن إنتاج السيارات الكهربائية؟

مع قرار أوروبا التحوّل إلى الطاقة الخضراء، تظهر بشكل متزايد تحديات التزود بالمواد الأولية لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية، فيما يواجهها تنافس دولي من أجل تأمين مصادر مستدامة لهذه المعادن النادرة.

يمضي الاتحاد الأوروبي قدماً بخطوات ثابتة، في تحقيق تعهداته البيئية التي ضمنها ميثاقه “الأخضر”، وعلى رأسها بلوغ هدف “صفر انبعاث” بحلول 2050، فيما تمر طريق هذا الطموح عبر التخلي عن الاعتماد على المحروقات في النقل، وهو ما تنوي بروكسل فرضه عبر قرارها القاضي بمنع بيع السيارات الجديدة التي تعمل بالمحروقات بحلول عام 2035.

ومع أن هذا القرار لا يزال قيد المناقشة، فهو يطرح وعوداً بازدهار منقطع النظير لصناعة السيارات الكهربائية. بالرغم من أن دولاً أوروبية عديدة، على رأسها ألمانيا، اتخذت موقفاً متشككاً منه، بلغ حد التهديد بإلغائه، لما يشكله من ضرر لصناعة السيارات خاصتها.

بينما يقابل هذا الازدهار الذي يقابله، على الجانب الآخر، تنافس واسع حول تأمين مصادر المعادن النادرة التي تستخدم في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، إذ يحل فيه الليثيوم والكوبالت والمغنيزيوم محل النفط. وهو ما يدفع أوروبا إلى دخول تنافس دولي جديد يفرض عليها رهانات اقتصادية وجيوسياسية جديدة.

من أين تأتي المعادن النادرة؟

تسمى هذه المواد التي تستخدم في صناعة البطاريات، بما فيها بطاريات السيارات، بـ “المعادن النادرة”. فيما يقع على رأس وصفة تصنيع تلك المركَّبات الكهربائية عنصران ضروريان هما: الليثيوم والكوبالت.

وشهد إنتاج الكوبالت طفرة كبيرة في السنوات الثلاث الأخيرة، إذ انتقل من 142 ألف ميغاطن عام 2020 إلى 190 ألف طن متري في 2022، بإجمالي زيادة يقدر بنحو 48 ألف طن متري، وفق أرقام المرصد الجيولوجي التابع للحكومة الفدرالية الأمريكية.

وتسيطر جمهورية الكونغو الديموقراطية على 70% من الإنتاج العالمي لهذا المعدن، أي ما يقدر بـ 130 ألف طن متري من الكوبالت سنوياً، باحتياطي ضخم يناهز 8.3 مليون طن متري. تليها روسيا التي تنتج ما بين 8 آلاف و9 آلاف طن متري سنوياً، فيما لا يتعدى احتياطيها 250 ألف طن متري.

بينما الليثيوم، الذي قالت عنه رئيسة المفوضية الأوروبية أنه “سيصبح عن قريب أهم من النفط”، فتستحوذ خمسة دول فقط على 90% من الإنتاج العالمي لهذا المعدن، ثلاثة منها في أمريكا اللاتينية. ومنذ 2015 يشهد الطلب على هذا المعدن تزايداً كبيراً، قُدر بـ 10% كل عام. كما يُتوقع أن يرتفع هذا الطلب بـ 18 مرة عما هو عليه حالياً، ليبلغ عتبة 2700 كيلو طن بحلول عام 2030.

ويسيطر مثلث شيلي وبوليفيا والأرجنتين على 60% من الاحتياطي العالمي لليثيوم، فيما تحل أستراليا ثانياً بسيطرتها على 20% من الاحتياطي العالمي والذي يقدر بـ 2.7 مليون طن، ثم الصين بـ 17% من الاحتياطي ويقدر بمليون طن.

وبشكل عام، تسيطر الصين على 70% من سلاسل توريد المعادن النادرة، تليها الولايات المتحدة بـ 14.33%، ثم أستراليا بـ 6%.

مأزق أوروبا الصيني

أمام هذه المعطيات، تواجه أوروبا مأزقاً متعدد الأوجه في تحولها الطاقي: أوله أنها تعتمد بشكل كامل على الاستيراد في توفير المعادن النادرة لصناعة سياراتها الخضراء، وعلى وجه التحديد الاستيراد من الصين.

ووفق الثلاثين عنصراً التي تحددها المفوضية الأوروبية عناصر ضرورية لتصنيع السيارات الكهربائية، تُستورد 19 منها من الصين. وبشكل عام، تستورد أوروبا نحو 98% من المعادن النادرة من الصين، وهو ما يطرح في الأوساط السياسية بالاتحاد هواجس استراتيجية قوية.

فيما يعود سبق الصين إلى الريادة في توريد هذه المعادن، إلى كونها سباقة في الاستثمار في تعدينها دولياً وتكريرها. ويجري تكرير نحو 85% من واردات أستراليا من الليثيوم في الصين. وفي شيلي تستحوذ شركة التعدين الصينية “تيانكي” على خمس أسهم شركة تعدين الليثيوم المحلية “SQM”.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أعلنت الحكومة البوليفية اختيارها شركات صينية للعمل على تعدين الليثيوم في البلاد، مثل إنشاء وحدات صناعية لتصنيع البطاريات مع بدء الإنتاج بحلول عام 2025.

بالإضافة إلى الكوبالت، إذ تستحوذ الصين على 19 منجماً في جمهورية الكونغو الديموقراطية صاحبة أكبر احتياطي عالمي لهذا المعدن.

استراتيجية أوروبية للمعادن الحرجة؟

يواجه الاتحاد الأوروبي مشكلة صعبة في الخروج من الهيمنة الصينية على سلاسل توريد المعادن النادرة. وهو ما يؤكده عميد معهد العلوم الإنسانية في فيينا ميشا جليني، بالقول إن: “التنافس على المعادن النادرة أصبح يحمل مخاطر جيوسياسية خطيرة”.

ويضيف جليني أنه: “بينما يتدافع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة لتنويع سلاسل التوريد لمعادن النادرة وغيرها من المواد الخام المهمة، فإنهم يكتشفون أن الأمر ليس بهذه السهولة. فإذا تُرك السوق لأجهزته الخاصة، فلن يفطم نفسه أبداً عن الإنتاج الصيني، بالتالي يجب على الحكومات التدخل”.

هذا التدخل الذي شرع الأوروبيون أخيراً في تفعيله، وهو ما كشفت عنه بروكسل مؤخراً في شكل “استراتيجية أوروبية للمعادن الحرجة”. وحسبما أعلنه المفوضان الأوروبيان فالديس دومبروفسكيس وتييري بريتون، اللذان يقودان هذا الملف بشكل مشترك، أن هدفه رئيسي واحد هو: “الحد من اعتماد أوروبا على الواردات المعادن النادرة من موردي الدول الثالثة شبه الاحتكارية”.

وتشمل هذه الاستراتيجية إجراءات عديدها، ضمنها فرض قيود جديدة على استيراد هذه المعادن بغرض تنويع المصادر، إذ سيمنع الاتحاد استيراد أكثر من 65% منها من دولة واحدة.

بالإضافة إلى توطين نشاط تكرير هذه المعادن، وزيادة الاعتماد على المعادن المكررة محلياً. ووفقاً لبريتون، سيجري رفع التكرير المحلي إلى 20% من حاجات الصناعة الأوروبية، في أفق الوصول إلى هدف 40% من التكرير المحلي. ورفع من نشاط إعادة تدوير البطاريات 15%، وتوفير غلاف مالي يبلغ 20 مليار يورو لدعم نمو قطاع المواد الخام المستخدمة في صناعة السيارات الكهربائية وغيرها من وسائل الطاقة الخضراء.

المصدر: TRT عربي

x

‎قد يُعجبك أيضاً

مخزون النفط الأمريكي يسجل انخفاضًا هائلاً.. والأسعار تفقد أكثر من 3%

صدرت بيانات مخزون النفط الأمريكي الخام لتسجل انخفاضًا بحوالي 2 مليون برميل، بينما كانت التوقعات ...