آثار عربية منهوبة لا حصر لها.. أشهرها رأس نفرتيتي ولوحة جلجامش
مع بداية العام تمكنت وزارة السياحة والآثار المصرية من استعادة قطعة آثار مهمة، هي غطاء تابوت عنخ إن ماعت كاهن مدينة هيراكليوبوليس، التابوت معروف بـ”التابوت الأخضر”، الذي كان بحوزة متحف هيوستن للعلوم الطبيعية بالولايات المتحدة الأمريكية
الأثر في اللغة يعني العلامة، وبقية الشيء، وما خلّفه السابقون. وفي بلادنا العربية تركت حضارات قديمة آثاراً وخُطىً فتبعهتا الأمم التالية، حضارة الفراعنة في أرض النيل وحضارة سومر وبابل على ضفاف دجلة والفرات، وازدهار مملكة سبأ وحمير في أرض اليمن، وفي شرق البحر المتوسط أبحر الفينيقيون بسفنهم غرباً.
آثارهم كان يمكن أن تبقى، ولكنها للأسف تعرضت لكثير من الضرر بدءاً بعقود الاحتلال الإنجليزي والفرنسي، ثم الحروب، ثم اعتداء داعش الإرهابي، إذ نالها التدمير والهدم والتفريط والنهب. ومؤخراً بدأت هذه الدول تطالب بآثارها وبحقّ عودة جزء مما نُهِبَ منها، فما تَبقَّى بعد هذه السرقات والتدمير في البلاد العربية لا يساوي شيئاً مما لها عند دول الاحتلال -سابقاً- من كنوز وفن وحقّ.
حضارة الخمسة آلاف عام
من أشهر الآثار وأكثرها عدداً، لاستمرار الحضارة الفرعونية لقرون طويلة ومرورها بفترات ازدهار كثيرة وعديد من الأسر والعصور، وولع الملوك والكهنة بتدوين أمور حياتهم وحفظ الموتى وفنون التحنيط والنحت والعمارة، لهذا فالمنهوب كثير وما تحت الأرض لم يُستكشَف بعد، وعمليات حفر الأهالي والحكومة المصرية مستمرة أيضاً، فحسب تصريح الدكتور مجدي شاكر كبير الأثريين المصريين بوزارة الآثار والسياحة، لـTRT عربي، فما اكتُشف سواء في مصر أو خارجها، يمثّل فقط 40% من الآثار المصرية الفعلية.
مع بداية العام تمكنت وزارة السياحة والآثار المصرية من استعادة قطعة آثار مهمة، هي غطاء تابوت عنخ إن ماعت كاهن مدينة هيراكليوبوليس، التابوت معروف بـ”التابوت الأخضر”، الذي كان بحوزة متحف هيوستن للعلوم الطبيعية بالولايات المتحدة الأمريكية، كما نجحت في استرداد عدد كبير من القطع الأثرية العام الماضي، هي: قطعة أثرية من نيوزيلندا، وتمثالان من بروكسل، وتمثال برونزي من العصر المتأخر للمعبودة إيزيس من برن بسويسرا. واسترداد غطاء تابوت من العصور القديمة و16 قطعة أثرية من الولايات المتحدة الأمريكية، واستعادة 6 قطع من دولة الإمارات العربية، و28 قطعة من أوروغواي، و50 قطعة من إنجلترا عبارة عن 49 مخطوطة من البردي وقطعة حجرية من معبد حتشبسوت، وكذلك قطعة أثرية من فرنسا، و125 قطعة أثرية أهداها مواطن مصري إلى المجلس الأعلى للآثار كانت بحوزته.
هذا ما استطاعت أن تتعرف عليه السلطات المصرية في القطع التي خرجت بشكل غير مشروع من البلاد، أما ما لا تستطيع أن تستعيده أو ستجد صعوبة في استعادته فهو ما خرج قبل قانون الآثار الأخير الذي وُضع عام 2010 وعُدّل في 2018، قبل ذلك لم يكن خروج قطع الآثار جريمة، فحسب كلام الدكتور شاكر لـTRT عربي، ففي عام 1835 بعد فكّ رموز حجر رشيد بتسع سنوات، شعر محمد علي أنه يجب وضع قانون للتحكُّم في خروج الآثار، الذي كان هو نفسه جزءاً منه حين أهدى مسلة الكونكورد إلى الولايات المتحدة وبعض القطع إلى فرنسا، بهدف خلق تحالفات سياسية. المرسوم كان به ثلاثة بنود: تعريف الأثر، وعدم تصدير الآثار، وتجميع الآثار في متحف.
ويضيف شاكر أنه بعد وفاة محمد علي باشا وولاية ابنه توفيق بدأ عصر مفتوح للسرقات والتجارة، وفي عام 1912 اختُرع نظام القسمة، وهو اقتسام ما تجده البعثات الأجنبية التي تحفر بينها وبين الدولة. من أشهر القطع التي خرجت من خلال قانون القسمة مع البعثات، رأس نفرتيتي إلى متحف برلين بألمانيا. وعام 1951 بدأ تقنين تجارة الآثار للأفراد، وكانت تُعرض القطع وتُباع في قاعة 56 بالمتحف المصري خلال مزادات على قطع أثرية، وظل قانون القسمة والتجارة المعمول بهما السبب في خروج كل ما هو معروض بالمتاحف العالمية حتى عام 1983، حينها مُنع خروج أي قطع أثرية ما عدا 10% فقط للتبادل العلمي بين الجامعات، وذلك حتى عام 2010 مع صدور قانون يجرّم خروج الآثار من مصر تجريماً قاطعاً.
قبلها أصدرت منظمة اليونسكو عام 1970 قانوناً ساهم في تملُّص عديد من الدول من التمسك بآثارها، يقول القانون إن أي قطع أثرية خرجت من بلادها قبل عام 1970 لن تعود إلى بلادها، لأن معظم المتاحف ستصبح خاوية. الوضع الآن أن قطعاً كثيرة حين نطالب بها يقول لنا المتحف إنها خرجت خروجاً قانونياً من خلال نظام القسمة أو اشتريته بشهادة تصدير أو قبل عام 1970، فما نتفاوض عليه هو ما خرج خروجاً غير شرعي، أو ليس له أوراق، حسب شاكر.
ويؤكّد شاكر أن ملايين القطع الأثرية الفرعونية تملأ قاعات عرض أكبر وأشهر المتاحف في العالم، على سبيل المثال 100 ألف قطعة في المتحف البريطاني، و80 ألف قطعة في متحف برلين الجديد، ومتحف بتري به 50 ألف قطعة، وفي اللوفر 50 ألف قطعة، ومتحف الفنون الجميلة ببوسطن به 45 ألفاً، ومتحف كيسلي به 40 ألفاً، ومتحف بنسلفانيا يعرض 42 ألف قطعة، وفي المتحف المصري بإيطاليا 33 ألف قطعة، وفي متحف أونتاريو 25 ألف قطعة، وفي الميتروبوليتان 26 ألف قطعة، وغيرها من متاحف العالم والجامعات والأفراد أيضاً.
أما عن لجنة استرداد الآثار التابعة لوزارة السياحة والآثار فيوضح شاكر أن مهمتها أن تتابع المزادات العالمية وقاعات العرض الأثرية، وحين تظهر أي قطعة مُرقَّمة متحفيّاً تطالب بها فوراً، أي تطالب بما خرج مسروقاً لا في أثناء قانون القسمة أو المزادات وما بعد قانون اليونسكو.
أما المطالبات الشعبية والفردية باستعادة حجر رشيد فيقول الدكتور شاكر إنها “لن تفيد ولن تنجح، ولكن يكفيهم شرف المحاولة، وقد تنجح بعد سنوات في استعادته، فالمتحف البريطاني يستفيد ماديّاً كثيراً من الحجر المعروض لديهم، في ديسمبر/كانون الأول الماضي كانت ذكرى مرور 200 عام على فكّ رموز الحجر، فاستغلّ المتحف الذكرى وروّج الاحتفالية وزادت زيارات المتحف لرؤية الحجر وشراء التذكارات المتعلقة به، فلماذا يستغني المتحف عن كنز يُدِرّ عليه أرباحاً بالملايين سنويّاً؟ وهذا حال أي متحف لديه آثار مصرية أو أي أثر له أهمية”.
آثار بلاد الرافدين
في سبتمبر/أيلول 2021 أعلنت وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية، استرداد 17 ألف قطعة أثرية سُرقت من العراق بين عامَي 1991 و2003، عاد بصحبتها على طائرته مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء، وأكّدَت الوزارة فقْد ما يقرب من 15 ألف قطعة أخرى، وفي يوليو/تموز 2020 عادت لوحة ملحمة جلجامش، وهي لوح طين مكتوب عليه باللغة المسمارية عمره 3500 سنة، وكانت سُرقت في أثناء حرب الخليج الأولى من متحف عراقي، واستعادها العراق من الولايات المتحدة الأمريكية.
أعمال السرقة كانت تحدث بعد عمليات النبش العشوائي للمواقع الأثرية بعد احتلال العراق في عام 2003، وتعمل هيئة الآثار والتراث التابعة للوزارة على استرداد هذه القطع وفرض سيطرتها على 20 ألف موقع أثري مسجَّل رسميّاً.
لم يكن فقط نابشو المواقع الأثرية ولا تجار السوق السوداء سبباً في تحويل الآثار السومرية بالأطنان خارج العراق في فترة ما بعد دخول القوات الأمريكية في 2003، بل كانت القوات الأمريكية نفسها سبباً في تدمير كثير من هذه المواقع والعمارة. يقول الصحفي البريطاني سيمون جينكنيز في مقال له في الغارديان عام 2007، إن “بابل شهدت بناء معسكر مساحته 150 هكتاراً يتّسع لـ2000 جندي. في هذه العملية حطمت الدبابات الرصيف المبني من الطوب الذي يبلغ عمره 2500 عام المؤدي إلى بوابة عشتار، وتَضرَّرَت البوابة نفسها. جُرّفَت التربة السفلية الغنية بالآثار لملء أكياس الرمل، وغُطّيَت مساحات كبيرة بالحصى المضغوط لمهابط طائرات الهليكوبتر ومواقف السيارات. أصبحت بابل قاحلة من الناحية الأثرية”.
بقية المواقع المتضررة حسب جينكنيز هي: مدينة أداب، وبابل، والحضر، ونينوى، وكالح، والزقورة، وأور، ونفر، وأوما التي حسب كلامه “نزل اللصوص على الموقع بمجرد قصف التحالف وأصبح الموقع مليئاً بالخنادق والحُفَر”.
وبدخول داعش العراق وسوريا عام 2014، تحول الأمر من سرقة وتدمير عن جهل، إلى تدمير متعمد، فقد دمّروا عدة أضرحة ومساجد ومزارات، مثل مسجد القبة الحسينية وبعض مساجد الشيعة في الموصل، وبعض المقابر الأثرية، وفجّروا أحد قبور النبي دانيال، وقبر النبي يونس، واعتمد داعش على التفجير وأحياناً على الجرافات في التخلص من الأضرحة والقبور والهياكل وكذلك الكنائس مثل كنيسة السيدة العذراء ودير مار إليا، وأحرق المكتبات ونهب بعض القطع لبيعها من أجل تمويل عملياته الإرهابية، ما كان أيضاً أحد الأساليب الداعشية في محو أي أثر للحضارة يأتي في مجال دباباتهم.
من المستحيل تحديد مقدار الدمار والقطع المنهوبة بعد 2003، ولكن إليزابيث ستون عالمة الآثار أحصت 1837 ثقباً/خندقاً في المواقع الأثرية زيادة على ما قبل دخول قوات التحالف للعراق، وتتراوح تقديرات عدد القطع بين عامي 2003 و2005 بنحو 400 ألف إلى 600 ألف قطعة، ويقدّر المعهد الأثري الأمريكي الإيرادات من الآثار المنهوبة بما يتراوح بين 10 و20 مليون دولار سنويّاً.
مملكة سبأ
عقب الانقلاب الحوثي في 2014 صارت السوق السوداء للآثار مكتظة بالآثار اليمنية، وأصبحت القطع المنهوبة من مدن مثل مأرب وإب والجوف وشبوة هي الأكثر توريداً لتجار الآثار، على سبيل المثال فالعام الماضي نهبت العصابات محتويات متحف ظفار في محافظة إب (وسط البلاد)، ومن بينها مقتنيات أثرية تعود إلى عهد الدولة الحميرية التي حكمت اليمن بين عامَي 115 قبل الميلاد و752 ميلاديّاً.
رسميّاً، في يونيو/حزيران الماضي وجّهت الخارجية اليمنية بعثاتها الدبلوماسية بالخارج إلى التواصل مع الدول والجهات المعنية لمنع بيع أي أثر يمني في مزاد تجاري، بخاصة في عديد من دول أوروبا.
ويقول سفير اليمن لدى اليونسكو محمد جميح إنه يجب أن نشكّل إدارة لمتابعة القطع التي خرجت ومحاولة استعادتها دبلوماسيّاً وقانونيّاً، أما عدد القطع المنهوبة فلا تملك الحكومة اليمنية رقماً محدَّداً، ولكن تشير تقديرات غير رسمية إلى أنها تقترب من مليون قطعة منهوبة من عدة مواقع منتشرة في اليمن.
على الرغم من تصريحات سابقة لأمين العاصمة صنعاء في الحكومة الشرعية عبد الغني جميل، بأن “المليشيات هرّبت وأخفت ما يزيد على 14 ألف مخطوطة يمنية نادرة ومئات القطع الأثرية”، فإن عبد الله الكبسي، أحد قادة مليشيات الحوثي تَملَّص من التهمة واتهم بها طرفاً مجهولاً، حين دعا في لقاء جمعه بمديرة مكتب اليونسكو لليمن ودول الخليج آنا باوليني، للمساعدة في فبراير/شباط العام الماضي، على “استعادة القطع الأثرية اليمنية المنهوبة والمسروقة المعروضة في المزادات والمتاحف العالمية، بالإضافة إلى المحتجزة في مطارَي باريس ونيويورك البالغ عددها 64 قطعة أثرية”.
المصدر: TRT عربي