فرنسا: النقابات تتهيأ للاحتجاج على مشروع إصلاح نظام التقاعد “الأسوأ والأعنف منذ ثلاثين عاما”
“خميس أسود”… هذا ما تعد به النقابات العمالية الفرنسية التي وحدت صفوفها للمرة الأولى منذ أكثر من عشر سنوات لإنجاح مظاهرات ستنظم على المستوى الوطني الخميس 19 يناير/كانون الثاني رفضا لمشروع إصلاح نظام التقاعد. وكانت رئيسة الحكومة إليزابيث بورن قد اقترحت الثلاثاء مشروع القانون الذي يقضي برفع سن التقاعد إلى 64 عاما بحلول 2030. وتأتي هذه التعبئة في وقت يعاني فيه غالبية الفرنسيين من غلاء المعيشة.
“نحن عازمون على القيام بكل شيء لمنع المصادقة على مشروع قانون إصلاح نظام التقاعد من قبل الجمعية الوطنية”. هكذا قال فيليب مارتينيز، رئيس “الكونفدرالية العامة للعمال” (يسار) الذي دعا الفرنسيين من كل الفئات الاجتماعية إلى “الخروج إلى الشارع الخميس 19 يناير/كانون الثاني للقول لا لقانون إصلاح نظام التقاعد في فرنسا”.
من جهته وصف لوران بيرجيه، زعيم “الكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل” (وسط)، وهي أكبر نقابة من حيث العدد، مشروع الحكومة على أنه “أسوأ وأعنف مشروع منذ ثلاثين عاما”، مثنيا في الوقت نفسه على “وحدة الصفوف التي أظهرتها جميع النقابات ورغبتها في إفشال المشروع الحكومي”.
وقال الأربعاء على أثير إذاعة “فرانس أنتر” العمومية “نقول مرة أخرى لا لمشروع إصلاح نظام التقاعد لأنه في الحقيقة هو مشروع لإصلاح المالية العامة على حساب العمال والموظفين”.
وتابع: “طبعا هناك بعض القرارات الإيجابية، لكن هذا لن يمنع الفرنسيين أن يعملوا سنتين إضافيتين في النهاية”، منوها بأن “النقابة التي يترأسها كانت دائما ضد فكرة تمديد سن التقاعد لأنها غير عادلة”.
“النقابات لم تتمكن من فرض أي تغيير على مشروع القانون”
والتقت جميع النقابات العمالية الفرنسية في باريس بداية هذا الأسبوع واتفقت على ضرورة تنظيم مسيرات احتجاجية مشتركة “لإسماع صوتها في الشارع” حسب دومنيك كرونا، الأمين العام المساعد في الاتحاد الوطني لنقابات المزارعين الذي أكد أن “الحكومة نجحت في توحيد صفوف جميع النقابات وهذا أمر لم نكن ننتظره”.
ورغم صفحة المشاورات التي فتحتها الحكومة مع المتعاملين الاجتماعيين بإشراك وزارة العمل في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلا أن النقابات لم تتمكن من فرض أي إصلاح أو تغيير على مشروع القانون” وفق جيرار مارديني، الأمين العام “للكونفدرالية العامة للإطارات والموظفين الساميين”.
وقال في هذا الصدد: “لم تجر أية مشاورات. الحكومة أرادت فقط أن تبين للفرنسيين بأنها فتحت نقاشا بناء ومثمرا مع ممثلي العمال. لكن كل اللقاءات التي جمعتنا بها (الحكومة) لم تفض سوى إلى قرارات بسيطة وثانوية لم يكن لها تأثير كبير على جوهر المشروع”.
وللضغط أكثر على الحكومة، أطلقت النقابات عريضة افتراضية. فيما دعت الفرنسيين إلى التوقيع عليها بشكل كثيف لعلها ستبين للحكومة مدى معارضة المواطنين لمشروعها” حسب لوران بيرجيه الذي روى شهادة لممرضة قالت فيها: “أشعر كأنني شاركت في سباق الماراثون وعندما تبقى كيلومتران فقط من نقطة الوصول، طالب المنظمون أن أركض كيلومترين اثنين إضافيين”.
دعوة إلى عمال القطاع الخاص للمشاركة في الإضراب
وأشار نفس المسؤول النقابي إلى الاستياء العميق الذي يشعر به “العمال والفرنسيون بشكل عام”، معبرا عن خشيته أن “يؤدي إلى تقوية صفوف اليمين المتطرف” في الانتخابات المقبلة.
وأردف: “الرئيس ماكرون هو الذي قال في 2017 و2019 أن مشروع تمديد سن التقاعد غير وارد خاصة في ظل ارتفاع نسبة المسنين العاطلين عن العمل. فمن غير رأيه؟ الرئيس أم الكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل؟”.
أما سيريل شبانييه، رئيس الكونفدرالية الفرنسية للعمال المسيحيين، فلقد قال: “يجب أن تكون التعبئة قوية وقوية جدا إذا أردنا إرغام الحكومة على التراجع. لا يمكننا أن نكتفي بفوز ناقص وغير كامل”.
من جانبها، دعت “الكونفدرالية العامة للعمال” موظفي القطاع الخاص إلى “الالتحاق بالمسيرات الاحتجاجية وعرقلة جميع القطاعات الاقتصادية والتجارية لأن هذا هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يغير موقف الحكومة وأرباب العمل”.
لكن بالنسبة لريمي بورغنيون، وهو باحث في معهد إدارة الشركات ومختص في الحوار الاجتماعي، “من الصعب أن تتراجع الحكومة عن سن التقاعد”.
وقال في مقابلة أجراها مع قناة “فرانس أنفو”: “بالنسبة للحكومة الرهان هو قبل كل شيء رمزي. فهي تريد أن تبين للاتحاد الأوروبي بأنها قادرة على تنفيذ إصلاحات. الحكومة الفرنسية تصر على تمديد سن التقاعد إلى 64 عاما للحصول على دعم حزب ‘الجمهوريون’ وبالتالي على أغلبية الأصوات في الجمعية الوطنية التي يمكن أن تصادق على القانون”.
هل يساند حزب “الجمهوريون” مشروع الحكومة؟
وتعول النقابات على غضب الفرنسيين الذين يشكون من ارتفاع أسعار الطاقة والبنزين والمواد الأولية للمشاركة في المظاهرات التي ستجوب شوارع المدن الفرنسية الرئيسية.
وقالت كاترين بريه من “الكونفدرالية العامة للعمال” إنها “طلبت من مناضلي نقابتها الاتصال بمناضلين من نقابات أخرى لوضع استراتيجية ميدانية ناجحة تعطي زخما أكبر للمظاهرات”.
وإلى ذلك، أظهر العديد من استطلاعات الرأي رفض الفرنسيين لمشروع تمديد سنوات العمل من قبل الحكومة.
فعلى سبيل المثال، كشف معهد “أوديكسا” لسبر الآراء لصالح مجلة “شلانج” قبل يومين أن “80 بالمائة من الفرنسيين ضد مشروع تمديد سن التقاعد إلى 64 عاما و83 بالمائة ضد 65 عاما”.
استطلاعات أخرى أفضت تقريبا إلى نفس النتائج. فهل ستتمكن النقابات من طي ذراع الحكومة وإرغامها على التخلي عن مشروعها أم نحن أمام بداية صراع طويل الأمد قد يشل الحركة الاقتصادية عن قريب؟
المصدر: فرانس24